عميد جامعة جورجتاون في قطر يُبرز أهمية تضخيم أصوات الجنوب العالمي في منتدى دولي بارز بروما

في مايو الماضي، تعهّد البابا ليو، أول بابا أمريكي يتولى المنصب، بالسعي من أجل السلام والمحبة والاقتراب من من يعانون، وهو التزام ينسجم مع تاريخ جامعة جورجتاون الأمريكية الممتد لأكثر من 240 عامًا كمؤسسة كاثوليكية يسوعية. وللتفكر في تلاقي القيم اليسوعية مع دور التعليم والإنتاج المعرفي في تعزيز السلام العالمي، تعاونت جامعة جورجتاون في قطر (GU-Q) مع مركز بيركلي للدين والسلام والشؤون الدولية بجامعة جورجتاون، ودائرة الثقافة والتعليم بالفاتيكان، لتنظيم منتدى دولي بارز في روما بعنوان: “الأخوّة الإنسانية في عالم منقسم: الكتّاب يشاركون إرث البابا فرنسيس”.
بصفتها الحرم الجامعي العالمي الوحيد للجامعة، أدت GU-Q، ممثلة بعميدها الدكتور صفوان مصري والكَاتبة المقيمة كاميلا شمسي، دورًا محوريًا في استضافة المنتدى بمناسبة مرور خمس سنوات على إصدار البابا فرنسيس للرسالة البابوية “فرتيلي توتي” لعام 2020، والتي تدعو إلى تجاوز الانقسامات العالمية من خلال التزام متجدد بالتضامن الإنساني. ويأتي هذا الحدث في إطار سلسلة “حوارات جورجتاون العالمية” التي تهدف إلى التعلم من الجنوب العالمي، وتعزيز المساواة الإنسانية، وإبراز أصوات الشباب، وبناء ثقافة اللقاء.
تميز المنتدى بمشاركة نخبة من الكتّاب والمفكرين البارزين، من بينهم نعومي كلاين، هشام مطر، زادي سميث، محسن حامد، وبارول سهغال.
رؤى حول تقليص أوجه عدم المساواة في الأدب
في كلمته الترحيبية في اليوم الثاني من المنتدى، أبرز العميد صفوان مصري أهمية السرد القصصي في تعزيز الروابط الإنسانية والتسامي الروحي في عالم اليوم. وقال: “يقدّم البابا فرنسيس في فرتيلي توتي طريقًا للمضي قدمًا، من خلال تبني الهشاشة المشتركة كمصدر للنعمة والاتصال الحقيقي، وهي دعوة تعيد تعريف ما نطلبه من الأدب وما يطلبه الأدب منا.” وأضاف: “الانخراط الجاد مع هذه الأسئلة اليوم يتطلب الاعتراف بالأدب كحوار إنساني عميق.”
كما شدد العميد مصري على أهمية المؤسسات والكتّاب من الجنوب العالمي في إعادة تشكيل الخطاب العالمي ليكون أكثر شمولًا. وفي جلسة حوارية بعنوان “عولمة الأدب في عالم غير متكافئ”، ناقش مع الكاتبة البريطانية-السودانية نسرين مالك، والشاعر والمنظّر الهندي رانجيت هوسكوت، التفاوتات في إنتاج وتوزيع الأدب، والحاجة إلى أطر جديدة تعكس تنوعًا أوسع في الأصوات والتجارب.
حقوق الصورة: جامعة جورجتاون / كريستيان جينّاري
رؤى حول تجسير الفجوات والاختلافات
ساهمت الكاتبة كاميلا شمسي، المقيمة في GU-Q لمدة عام، في جلستين حواريتين ضمن المنتدى. الأولى بعنوان “العواطف في الأدب والسياسة”، بمشاركة خوان غابرييل فاسكويز ونسرين مالك، حيث ناقشوا قدرة الأدب، خاصة من الجنوب العالمي، على تعزيز التعاطف والعدالة والمصالحة. وشاركت شمسي أيضًا في جلسة “التعددية الثقافية والدينية كإطار أدبي” مع الروائيين محسن حامد ورانجيت هوسكوت، لاستكشاف دور السرديات الأدبية في تجسير الفجوات والاحتفاء بالتنوع في المجتمعات التعددية.
حقوق الصورة: جامعة جورجتاون / كريستيان جينّاري
تعزيز الحوار العالمي في قطر
وفي إطار التزام الجامعة بتعزيز أصوات الجنوب العالمي، أعلن العميد مصري أن نسرين مالك ستنضم إلى GU-Qككاتبة مقيمة في خريف 2025، كما ستتحدث في مؤتمر حوارات قادم حول السودان، وستقوم بتنظيم نسخة ربيعية من “حوارات جورجتاون العالمية” في عام 2026.
وأشار أيضًا إلى تشجيع GU-Q لطلابها على التفاعل مع التقاليد الأدبية المتعددة مثل العربية والفارسية والإفريقية والجنوب آسيوية، ومع الإرث الروحي الغني لتشكيل الفهم المعرفي، مشددًا على أن المعرفة لم تعد تتدفق من الأطراف إلى المركز أو العكس، بل تتحرك عبر، وبين، وداخل تلك الحدود.
مساهمات طلاب GU-Q
وقبل المنتدى في روما، ساهم طلاب GU-Q الجامعيين بمقالات أصلية للمنتدى الإلكتروني التابع للمبادرة، ناقشوا فيها مفاهيم الأخوّة والعدالة والتواضع في عالم متشظٍ. استندت كتاباتهم إلى تجاربهم الشخصية والنمو الفكري الذي يعيشونه داخل الفصول الدراسية وفي التجارب التعليمية الميدانية.
الموضوع الثاني: أين تكمن السلطة الأخلاقية في عالم اليوم؟
السلطة التي نحملها
“نشأتُ في اليونان خلال الهزّات اللاحقة لأزمة عام 2008 الاقتصادية، وتعلمتُ مبكرًا أن السلطة – سواء كانت سياسية، مالية، أو أخلاقية – أكثر هشاشة مما تبدو عليه… لقد أصبحتُ أؤمن بأن السلطة الأخلاقية اليوم لم تعد تقيم فقط في الأماكن التي كنا نثق بها بثقة عمياء: الحكومات، المنظمات الدولية، وحتى القيادات الدينية العالمية. بل يبدو أنها باتت موجودة الآن في جيوب متناثرة – في أشخاص ومساحات لا تزال تحتفظ بالشجاعة الأخلاقية والنزاهة الفكرية، حتى في غياب السلطة. أراها في العلماء والنشطاء الذين يسيرون عكس التيار لفضح الظلم الاقتصادي. أراها في القرارات الهادئة التي يتخذها القادة المحليون حين يختارون التصرف بكرامة ضمن أنظمة تكافئ عكس ذلك. ونعم، رأيتها في أساتذتي – أولئك الذين لا يهتمون بالأفكار فحسب، بل يهتمون بكيفية تأثير تلك الأفكار في حياة البشر الحقيقية.”
–– بانوس دالغيناكيس، دفعة 2027
السلطة الأخلاقية من الهوامش: استعادة السلطة الأخلاقية من خلال التجربة الإنسانية المعيشة
“في مساقي بعنوان المقاومة والتمرد والثورة، نطرح سؤالًا جوهريًا: إلى من يلجأ الناس عندما تخونهم المؤسسات الرسمية؟ والإجابة، بشكل متزايد، هي نحو تعبيرات لا مركزية ومُعاشة للأخلاق. لقد عايشت هذا الأمر بنفسي. ففي جبال الأنديز في بيرو، تحدثتُ مع أفراد من مجتمع الكيتشوا، الذين ترتبط علاقتهم بالأرض والتقاليد بروابط بيئية وروحية. بالنسبة لهم، فإن تدمير البيئة لا يُعد مجرد فشل في السياسات، بل هو انتهاك أخلاقي للتوازن التراثي… هذه الأصوات الشعبية تمثل بديلاً للسلطة الأخلاقية المتلاشية للهيئات الدولية، التي غالبًا ما تلتزم الصمت أمام معاناة العالم. في خضم الصراع وعدم المساواة، فإن من يحافظون على الخط الأخلاقي هم الرواة، والمعلمون والأساتذة، والطلاب المحتجون في ريد سكوير، والمقاومون اليوميون، لا سيما من دول الجنوب العالمي.”
– أراس كارليداغ، دفعة 2025
أصداء الحقيقة: حيث تسكن العدالة والسلطة الأخلاقية
“من حركات التعويض المحلية إلى النشاط الرقمي الذي يضخّم أصوات المهمّشين، لم تعد السلطة تُمنح من الأعلى، بل تُكتسب من خلال القرب من المعاناة، والشجاعة في التعبير عنها، والرؤية نحو مستقبل أكثر إشراقًا. في هذا المشهد الأخلاقي المعاد تعريفه، تُسعى العدالة من القواعد الشعبية، ويُنظر إلى أولئك الذين يتصرفون بصدق وتعاطف والتزام راسخ بالحقيقة على أنهم أصحاب الشرعية الحقيقية.”
–– بيان قنيبي، دفعة 2026
حيث ينكسر الإطار، تبدأ الهوامش
“بصفتي طالبة في تخصص السياسة الدولية مع تركيز على القانون الدولي، كثيرًا ما تم تعليمي تحليل الأعراف والمعاهدات والمؤسسات. لكن بعضًا من أكثر الدروس إلحاحًا جاءت من خارج قاعات الدراسة. جاءت من طلاب حُرِموا من الجنسية فحدّ ذلك من مستقبلهم، ومن نساء يتنقلن بين أعباء رعاية لا تُقدّر، ومن زملاء ينتقدون كيف أن الجهود الإنسانية قد تعيد إنتاج نفس الهياكل الهرمية التي تسعى إلى تفكيكها. كشفت هذه التجارب كيف أن الأطر العالمية غالبًا ما تُسكت الأصوات التي تزعم تمثيلها.”
–– جاي بايسر، دفعة 2026
ليست في السلطة، بل في الحقيقة
“قادماً من منطقة انتظر فيها الناس لعقود أن يُروا ويُسمَعوا، أدركتُ أن السلطة الأخلاقية لا يمكن أن تستقر في مؤسسات لا تُصغي إلا حين يناسبها الأمر. لقد ساهم القادة الدينيون والمجتمعيون في تشكيل قيمي، لكنني تعلمتُ أيضًا أن أكون حذرًا عندما يُستخدم الإيمان لتبرير الأذى. في عالمٍ بهذا القدر من التنوع، لا يمكن لمنظومة إيمانية واحدة أن تُرشد الجميع، لكن القيم المشتركة مثل الكرامة، والرعاية، والعدالة يمكنها ذلك. لقد رأيتُ هذه القيم بوضوح، ليس في شخصيات نافذة، بل في أفعال الطلاب والمعلمين والأشخاص العاديين الذين يرفضون الصمت.”
–– شاهد عثمان، دفعة 2028
الموضوع الثالث: هل يمكننا مقاومة إغراء اليوتوبيا التكنولوجية؟
من النفط إلى المعالجات: الحكمة البيئية في التواضع التكنولوجي
“إن الحكمة في الاعتراف بالهشاشة لا تكمن في التخلي عن التطور التكنولوجي، بل في إدراك أن هذا التطور متجذر في أنظمة الأرض. لقد أثبتت حقبة النفط أن الثورات التكنولوجية التي تتجاهل القيود المادية تُقوِّض نفسها في نهاية المطاف. ومع الذكاء الاصطناعي، نواجه خيارًا مشابهًا: إما القوة غير المحدودة، أو الاعتراف المتواضع باعتمادنا على أنظمة بيئية واجتماعية هشة.”
–– أميرة جانات، دفعة 2027
وقد عكست مقالاتهم رؤى نقدية حول كيفية إعادة تصور مفهوم الأخوّة الإنسانية، ومصدر السلطة الأخلاقية في عالم اليوم، ومقاومة اليوتوبيا التكنولوجية.
شركاء المنتدى حظي المنتدى بدعم إضافي من مكتب جورجتاون في روما، ومجلة “لا تشيفيلتا كاتوليكا”، ومؤسسة All of Us، تأكيدًا على التزام GU-Q، الممتد على مدى 20 عامًا، بتعزيز الحوار العالمي الهادف عبر الثقافات والتخصصات، انطلاقًا من قيم العدالة والشمولية والصالح العام.