صانعة أفلام بجورجتاون تحول أبحاثها بمركز الدراسات الدولية والاقليمية إلى فن سينمائي لعموم الجمهور

Alsit

في خضم الثورة السودانية التي بدأت باحتجاجات الشوارع أواخر عام 2018 ، برزت صورة رمزية لامرأة سودانية ترتدي ثوبًا تقليديًا، ورفعت اصبعها في تحد، كرمز للمقاومة. وقد انتشرت الصورة على نطاق واسع وبسرعة البرق، مستعينة بقوة الأمومة وتأثير أيقونة “الكنداكة”، وهي ملكة نوبية ومحاربة قوية في السودان القديم.

وقد تجسد دور الأم القوية، “كنداكة” العصر الحديث،  لينبض في قلب فيلم سوزي ميرغني القصير الذي يحمل عنوان “الست“، الذي كان عرضه الأول في أول نسخة تمزج بين الحضور الشخصي والمتابعة عبر الإنترنت على الإطلاق من مؤسسة الدوحة للأفلام في الانعقاد الثامن لمهرجان أفلام أجيال.

تعمل سوزي ميرغني في منصب المدير المساعد للإصدارات في معهد الأبحاث الأول التابع لجامعة جورجتاون في قطر، وهو مركز الدراسات الدولية والإقليمية، حيث تكرس اهتمامها لتعزيز العمل الأكاديمي الجيد لجامعة جورجتاون في قطر والباحثين المنتسبين الذين يقدمون رؤى متخصصة حول التاريخ، التطورات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المنطقة.

تستخدم سوزي ميرغني قوة الرواية الفيلمية لسرد المزيد من القصص الشخصية حول كيفية تشكيل التطورات الكلية للواقع وتأثيرها على الحياة، وتقول: “تم تصميم أبحاث وإصدارات مركز الدراسات الدولية والإقليمية لجمهور أكاديمي إلى حد كبير، ولذا أحب أن أسلط الضوء على نفس الموضوعات البحثية، ولكني اسعى دائما لأن أعيد سردها للجمهور على المستوى المحلي والعالمي بشكل فني، ومما لاشك فيه أن عملي في مركز الدراسات الدولية والاقليمية يؤثر على أعمالي الفنية بنسبة 100٪.

يذكر أن بعض المواضيع في أحدث أفلامها، التي تدور أحداثها في قرية لزراعة القطن في السودان حاليًا، “انبثقت عن مبادرة أبحاث مركز الدراسات الدولية والاقليمية حول الأمن الغذائي في الشرق الأوسط، وكيف تؤثر السياسات الزراعية على المجتمعات في العالم العربي وشرق أفريقيا.”

كما تكتب ميرغني وتنشر أعمالا أكاديمية عن الفنون والأعمال الثقافية في العالم العربي، وهي تقول: “من المفيد أن تكون فنانًا وباحثًا أكاديميًا، فكل دور يثري الآخر ويعطيني نظرة أعمق لممارسة الفن “.

في هذا الفيلم القصير، تحتار فتاة تبلغ من العمر 15 عامًا تدعى نفيسة بين مشاعرها تجاه فتى قروي، وضغط والديها لخضوعها لزواج عائلي مرتب من رجل أعمال سوداني شاب يعيش في الخارج. ومما يزيد من تعقيد حياة نفيسة جدتها، الست، الأم القوية، التي لديها خططها الخاصة لمستقبل نفيسة. على الرغم من أن أحداث الفيلم تدور حول نفيسة وهي في قلب القصة، إلا أنها ليس لها دور متكلم في الفيلم، ولا يوجد لديها صلاحية اتخاذ خيار على ما يبدو بشأن مستقبلها. ويستكشف الفيلم كيف يمكن للفتيات الصغيرات أن يجدن مساحة للدفاع عن أنفسهن في مثل هذه المواقف المستحيلة.

وتضيف قولها: “الفيلم يدور حول النساء في نفس العائلة، وكيف تدور كل آمالهن ورغباتهن حول مستقبل فتاة واحدة. ولكن هناك قضايا اجتماعية، وسياسية، وتاريخية أكبر تظهر آثارها ونفوذها”.  تطالب جدة نفيسة بالتمسك بالتقاليد بينما يرغب والدا نفيسة في السعي وراء الأمل بالثراء الحضري الحديث، والذي يمثل تحولًا تشهده الأجيال في السودان المتغير باستمرار. 

وأوضحت أنه “في السودان، فإن معظم العائلات لديها” الست “، و لطالما كنت مفتونًة بالطريقة التي تحكم بها الجدات المنزل في السودان، على الرغم من أن البلد أبوي أو ذكوري، والرجال يحكمون في السياسة الرسمية. لكن في إطار السياسة الاجتماعية غير الرسمية، غالبًا ما تكون المرأة هي المهيمنة “.

تركز أفلام سوزي ميرغني الأربعة السابقة أيضًا على مشكلات الهوية، لكنها تناولت البيئة في قطر والخليج التي تم تصويرها فيها. بينما اضطرت هذه المرة للعودة إلى موطن والدها في السودان لتصوير فيلمها الأخير، لأول مرة منذ 20 عامًا، حيث حظيت بالدعم من قبل العديد من الأشخاص والمؤسسات على طول الطريق، بما في ذلك معهد الدوحة للأفلام، الذي قدم لها منحة الإنتاج في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ ودعم الإنتاج الفني والتصميم من جامعة فرجينيا كومنولث في قطر، الجامعة الشريكة لمؤسسة قطر، وبالتعاون مع الأستاذة المساعدة في مؤسسة الفن، ميساء ألمؤمن والدعم الميداني من مصنع أفلام السودان

تأمل ميرغني في عرض الفيلم القصير في مهرجانات الأفلام المستقبلية، وتقول إن تجربة صناعة الأفلام قد جلبت إلى الوطن أهمية الفنون كوسيلة لرواية القصص، ووسيلة لتسجيل التاريخ. “وقد جاءت الثورة في السودان قبل عامين في نهاية عقود من الحكم العسكري، حيث كانت الصناعة الثقافية مقيدة بشدة، لذا فالناس جائعون للفن ولفرصة رواية قصصهم الخاصة “. وكانت “الست” هي الوسيلة التي لجأت اليها سوزي ميرغني لسردها.