تقاعد أستاذ الإبداع في تدريس اللغة العربية بجورجتاون بعد 12 عاما من الابتكار والتطوير

Senior Language Instructor Abbas Al-Tonsi

بعد اثني عشر عاما  كمحاضر أول في جامعة جورجتاون في قطر، تقاعد الاستاذ عباس التونسي وعاد إلى القاهرة، تاركا برنامجا رياديا في تدريس اللغة العربية تم وضعه خصيصا ليلائم متطلبات الطلاب من وارثي العربية، وهم العرب المتعلمين في بيئات ومجتمعات اجنبية.

انضم الاستاذ عباس التونسي إلى اسرة جورجتاون في قطر في عام 2007، وكان بالفعل قد شارك في تأليف بعض من أشهر كتب تعليم العربية لغير الناطقين بها. في ذلك الوقت لم يخطر بباله أنه سيعكف على قيادة فريق يعمل في وضع نظام جديد لتدريس العربية إلى وارثيها من طلاب الجامعة.

عندما تم افتتاح الحرم الجامعي لجورجتاون في الدوحة عام 2005، كان يمنح نفس الفصول الدراسية التي يمنحها الحرم الجامعي الرئيسي في واشنطن العاصمة، ولكن سرعان ما ادرك عباس التونسي أن الكثيرين من الطلاب لديه هم من العرب المتعلمين في مدارس دولية احنبية وأنهم يفكرون بالانجليزية ثم يترجمون افكارهم الى العربية عندما يرغبون في التحدث بها. إضافة الى ذلك، فبينما هم يتحدثون إحدى اللهجات العربية، فإنهم لايتقنون العربية الفصحى، بينما كان العديد من مدرسيهم مؤهلين لتدريس اللغة العربية للاجانب وغير الناطقين بها.

وإدراكا منه للحاجة الماسة لوجود أسلوب تناول جديد ومقاربة مختلفة لتعليم العربية يصمم خصيصا من أجل وارثي اللغة من أبناء العرب، قاد عباس التونسي فريق زملائه من الأساتذة لتحويل المناهج، وتطوير مسار منفصل  أطلق عليه “برنامج تعليم العربية لوارثيها” الذي كان مبادرة فريدة تتضمن دروسا في الثقافة العربية والفنون، وتلبي الاحتياجات الفريدة لطلاب الجامعة في قطر من وارثي اللغة.

ويشير التونسي إلى أن الفجوات التي يعالجها منهج جورجتاون هي أيضا ما يعاني منه التعليم العربي في جميع أنحاء الدول العربية ويقول: “في الماضي، كان المثقفون والمتعلمون قادرين على التحدث والارتجال بطلاقة بالعربية الفصحى. لكنا المحامين اليوم يتحدثون مستخدمين اللهجات العامية ويرتكب القضاة أخطاء مخجلة عند قراءة نصوص الأحكام. وذلك بسبب اعتمادنا على مناهج الغرب،رغم أننا جميعًا، بدرجات متفاوتة، نعتبر من وارثي العربية لان معظمنا يفكر بلهجته الدارجة ثم يترجم إلى العربية الفصحى.”

عمل الدكتور يحيى عبد المبدي محمد، الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية بجامعة جورجتاون، في هذا المشروع مع الاستاذ عباس التونسي منذ بدايته وهو يشير إلى حجم النمو الذي شهده البرنامج قائلا: ” خلال فترة رئاسة الأستاذ عباس، تطور البرنامج وتوسع ليصبح واحدا من أهم برامج تعليم العربية في المنطقة وعلى مستوى العالم”.

ويشيد بالاستاذ عباس كل من عمل معه، ومن بينهم  يقول عميد جامعة جورجتاون في قطر، الدكتور أحمد دلاّل الذي يقول: ” تشرفت بأن أكون ضمن اللجنة التي شاركت في اختياره وتعيينه بجامعة جورجتاون في قطر عام 2007 ، ونحن فخورون بوجوده معنا لأنه وضع أسسًا قوية لهذا البرنامج التعليمي البارز”.

كذلك يقول دكتور غيرد نونيمان – أستاذ العلاقات الدولية و العميد السابق لجورجتاون في قطر: “لابد من الاعتراف بإنجازات عباس التونسي كرائد مبدع في تشكيل فريق عمل يعد من بين الأفضل في العالم، للأبحاث وتطوير مواد تعليمية لدارسي العربية من وارثيها.”

وخلال وداعه للجامعة، ومجتمع الدوحة الذي عاش فيه لسنوات كوطنه الثاني، ذكّر التونسي بنبرة فخر واعتزاز  مدى التغير الضخم  خلال فترة قيادته للبرنامج قائلا:. “اليوم ، لا يوجد مكان آخر يقدم دراسة اللغة العربية لوارثيها  على نحو منتظم ومستمر، كجزء من المناهج القياسية التي تقدم كل فترة دراسية. بدأنا باثنين فقط من الأساتذة والآن نحن تسعة، بدأنا بفصل واحد والآن لدينا فصول متعددة ومتنوعة  تركز على المحتوى للمستويات المتقدمة وخطاب المحادثة والأدب والثقافة والسينما واللغويات. “

خلال تقاعده، يقول عباس التونسي إنه يخطط  لمواصلة العمل على الكتب التعليمية المستخدمة في الفصول الدراسية للغة العربية في جميع أنحاء العالم. وعنه تقول الدكتورة هناء زبارة ، الأستاذة المساعدة في اللغة العربية بالجامعة: ” عباس كنز في اللغة العربية ومازال قادرا على العطاء وأنا على يقين أن إنتاجه الفكري سيستمر وستستفيد الأجيال القادمة من علمه.”  

سيواصل الإرث الدائم لقدرة التونسي على تلبية الاحتياجات المتغيرة لدارسي اللغة العربية  في طرح ثماره مع استمرار الأجيال القادمة في العمل وبناء المؤسسات على أساس متين من اللغة العربية الفصحى الحديثة، مما يضمن الحفاظ على اللغة العربية في قطر والمنطقة العربية برمتها.

عباس التونسي في عيون زملائه

”  التقيت الأستاذ عباس قبل سنوات عديدة، وقد تشرفت بأن أكون ضمن اللجنة التي شاركت في اختياره وتعيينه بجامعة جورجتاون في قطر عام 2007 ، وكان اختيارا موفقا فقد كان من حسن حظ الجامعة أن يبدأ عباس بتأسيس هذا القسم وتطويره كأحد رواد تعليم اللغة العربية للأجانب والوارثين. يظل الأستاذ عباس مدرسا مبدعا، مثقفا يحظى بحب زملائه وتقديرهم واحترام طلابه وشغفهم بفصوله واقبالهم عليها، وله يرجع الكثير من الفضل في تطوير برنامج اللغة العربية في الجامعة ليصل إلى ما وصل إليه من ريادة ضمن البرامج المماثلة عالميا، فضلا عن موهبته في تأليف أحد أفضل الكتب في تعليم العربية لغير الناطقين بها. سيترك الأستاذ عباس فراغا كبيرا ولكن يكفينا فخرا انه ارسى قواعد صلبة لبرنامج تعليمي متميز. سنفتقده ولكن عزاءنا أنه سيواصل اسهاماته في تأليف كتب وتطوير مواد دراسية  ترفع من مستوى دارسي العربية من غير الناطقين بها بغض النظر عن مكان وجوده “. (د. أحمد دلاّل – عميد جورجتاون في قطر)

 

-“إنه بلا شك أحد العظماء في جامعة جورجتاون في قطر، فبالاضافة إلى شهرته كمؤلف لأفضل كتاب لتعليم العربية لغير الناطقين بها (الكتاب)، فلابد من تكريمه والاعتراف بإنجازاته كرائد مبدع في تشكيل فريق عمل يعد من بين الأفضل في العالم، للأبحاث وتطوير مواد تعليمية لدارسي العربية من وارثيها.” (د. غيرد نونيمان – أستاذ العلاقات الدولية عميد سابق لجورجتاون في قطر)

– “على مدار اثنتي عشرة سنة  من العمل مع الأستاذ عباس كان أخا كبيرا وصديقا مخلصا، وهذا سلوك الأستاذ عباس، فقد حرص على ان نشكل أسرة واحدة مترابطة، قد نختلف أيديولوجيا وثقافيا وفكريا وحتى مهنيا، ولكن نبقى أسرة واحدة، أكثر من كوننا زملاء في برنامج تدريس بجامعة. هذه هي العلاقة التي ربطتنا به وحققت للبرنامج سلاسة في النمو والتطور ونجاحا غير مسبوق. فقد توسع البرنامج خلال فترة  إدارة الأستاذ عباس ليصبح  واحدا من أهم برامج تعليم العربية في المنطقة والعالم. ” ( د. يحيى عبد المبدي محمد – أستاذ مشارك في اللغة العربية، جامعة جورجتاون في قطر)

– ” التقيت الاستاذ عباس التونسي للمرة الاولى في صيف 2008  وكانت سكرتيرة العميد قد دلّتني على مكتبه. وقفت أمام الباب ربّما لبضع ثوان قبل ان أقدّم نفسي. كان شبه مختفٍ  وراء أكوام من الكتب والأوراق.  أتذكر أنني تساءلت آنذاك كيف يمكن له ان يجد أي شيء على هذه الطاولة؟ كيف يمكن له أن يكتب أي شيء في مثل هذا الجو؟ لم أشأ إزعاجه فقد كان بالغ التركيز فيما يقرأ. و لم أشأ قطع حبل تفكيره.  فجأة انتبه لوجودي و نهض من مكانه لاستقبالي بحفاوة. بقيت صورة الباب المفتوح و الكتب المبعثرة في كل مكان و عباس الغارق في القراءة، الغائب عمّا حواليه، الحاضر في الفكر، لا تبرح ذهني.  لم تتغير طوال السنوات العشر من زمالتنا.. فكلما ذهبت اليه وجدته في هذا المشهد الجاحظي الخلاق.  أما تركيزه الحاد فهو ما كان دائماً يلفت نظري. يجلس في الاجتماعات ورأسه منخفض. قد تظن بادئاً انه غائب عمّا حواليه لأنه لا ينظر الى المتكلم، لكن التمعن في وجهه يقول لك انّه يستمع بعناية لكل كلمة. لأنه يعلم ان الانصات الدقيق هو وحده الذي يعطيك المعنى.

 سيترك غيابك يا عباس فراغاً كبيراً في برنامحنا فأنت الذي أسسته ورعيته طوال هذه السنوات وسنعود دائماً اليك لتنصحنا.” (د. أميرة الزين- أستاذ مشارك في الأدب والثقافة العربية، جامعة جورجتاون في قطر)

“لقد قرر “الريس” (كما أحب أن أطلق عليه أنا وزملائي في قسم اللغة العربية وثقافتها في جامعة جورجتاون – قطر) أن يكمل رحلته دوننا! يريد أن يرجع الى مصر ليتفرغ للكتابة والأصدقاء القدامى وعباس الحفيد، أما نحن فقد استنفذنا حظنا في صحبته لعدة أعوام؛ لا يمكن اختصار هذه الأعوام الجميلة في صحبته ببعض كلمات، فقد كان عباس التونسي زميلا متواضعا في العمل، وصديقا ساخرا على القهوة، ومثقفا حذقا في النقاش، وأبا حنونا في البيت، وملجأ عطوفا عند الملمات …

قبل أن أقابله كان اسمه أسطورة في مجال عملنا، وبعد أن تشرفت بالعمل معه وتحت رعايته وإشرافه علمت أنه أسطورة حقيقية في فن الحياة، وليس في مجال العمل فقط.

إلى لقاء قريب يا ريس كما وعدتَ قائلا (وبرغم خوفك الشهير من الطيران):”لازم ننزل لبنان نحضر فرح الواد دا” : (عبدالرحمن شمس الدين – عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية، جامعة جورجتاون في قطر )

– “عباس التونسي بالنسبة لي، فضلًا عن الأخوة الصادقة والأستاذية الحقيقية، هو الرؤية البصيرة والحَدْس الخبير، ليس هذا فقط نتاج العمق الزمني للخبرة الفعلية في الميدان، ولكن بفضل المتابعة الدائمة للجديد في حق التطورات العلمية في الميدان على المستوي النظري والتجريبي، ومن ثم فآراؤه نافِذَةٌ، وكثيرُ مما تعرض عليه من مسائلَ لديه فيها إجابةٌ أو طريقُ إجابةٍ أو ربما يأتِيكَ بعد مُدَّةٍ وقد كون مَوقفًا من قضية لم تكن مُتَبَلْوِرَةً لديه في جَلْسَةٍ سابقةٍ بعد أن قرأ حولها وتَفَحَّصَ جَوانِبَها.

لقد هجر عباس التونسي حقلَ النقد الأدبي بعد أن أَنْجَزَ فيه تأليفًا وترجمةً ما أنجز، وتحوَّل إلى تعليم العربية للأجانب ولكن حِسَّه اللغوي والنقدي ومعرفته الثقافية لم تفارقه يومًا، ولهذا لم يكن عباس يومًا فقط، معلمًا للعربية لغةً أجنبيةً، ولكنه كان دائمًا الأستاذَ الناجِحَ، وربما لن تهتدي بسهولة إلى تفسير لهذه الدرجة العالية من الإقناع التي يحتلها لدي طلابه، وكان دائما المؤلف القدير، والمخطط البارع للتدريس والبرامج.

وأعتقد أن أسلوب عباس التونسي في العمل هو امتداد لسلوكه مع أبنائه وأصدقائه ومحيطيه، علاقة قائمة على الديمقراطية؛ سواء مع أبنائه أو زملائه أو حتى الإدارة العليا، فالكل حرُّ في إطار قوانين المؤسسة وحدود الأسرة وروابط الصداقة، وحرٌ بالمعنى الحقيقي للكلمة، فما يقدمه عادة من إرشادات أو أطر للعمل ليس ملزمة، ولكنها أنسب الاختيارات من وجهة نظره، وفي نهاية الأمر فالمسؤولية يحملها الجميع والكل شريك فيها، كل بما أنجز أو قَصّر.

إذا عَمِلْتَ مع عباس التونسي لا تتوقع منه أن يدعوكَ إلى اجتماعاتٍ رَسْمِيَّةٍ كثيرة، ربما اجتماعين أو ثلاثة في العام، ولكن دومًا عندما تتجمعون حول فنجان القهوة أو تدخينه، الذي لا يَصْبِرُ على حاجته إليه كثيرًا، ستجدون أنفسكم تأخذون قرارات هامة وتتوجهون نحو حسم العديد من القضايا، أو يَنْفَضُّ اللقاءُ عن دردشةٍ بسيطةٍ ولكنكَ سَتَجِدُ نفسَك مقتنعًا بإنجاز شيء هام لنفسِك أو للبرنامجِ، هو مَنْ حَفَّزَك إليه. ولا تتوقع من عباس أن يُقِيمَ الأرضَ و يُقْعِدَها عندما تعمل عملًا عظيمًا؛ فهو يراكَ أصلًا عند المكان العظيم الذي ترى فيه نفسَكَ، ويتوقعُ منكَ أفضلَ مما تتوقَعُهُ أنتَ مِنْ نَفْسِكَ، وهو ما لا تَجِدُه إلا عند أصْفِياءِ القُلوبِ والسَّرائر. ” (د.  محمود العشيري- أستاذ مشارك في اللغة العربية)

– “الاستاذ عباس من الشخصيات النادرة التي تركت فينا حب التفاني في العمل والتميز في مجالنا ولكن النادر أننا نجد فيه القدرة على الجمع بين شخصيته كاسم كبير في مجالنا وشخصيته كزميل وأخ أكبر قمة في تواضعه.” ( د. أحمد القصاص- أستاذ مساعد في اللغويات العربية، جامعة جورجتاون)

– التقيت بعباس لأول مرة عند زيارتي لبرنامج اللغة العربية في جامعة جورجتاون في قطر قبل انتقالي من الجامعة الأم وقد شجعني على الانضمام للبرنامج وخلال السنوات التالية استفدت من خبرته الواسعة في مجال التدريس. عباس كنز في اللغة العربية ومازال قادرا على العطاء وأنا على يقين أن إنتاجه الفكري سيستمر وستستفيد الأجيال القادمة من علمه. (د. هناء زبارة – أستاذ مساعد في اللغة العربية، جامعة جورجتاون في قطر)

-“رغم انشغال الأستاذ التونسي بتدريس اللغة العربية والعمل على عدد من المؤلفات والأبحاث بهذا الشأن، إلا أنه استطاع المحافظة على اهتمامه الشديد بالأدب العربي وملاحقة العناوين الصادرة في هذا المجال.كنت أعجب دوما بقدرة الأستاذ على اقتراح أعمال يمكنني الاستفادة منها في صفوف الأدب، ولطالما لجأت إليه مستفسرا عن رأيه في طريقة تنظيم المواد في صفوفي أو عما يراه مناسبا لمستويات الطلبة. سأظل دوما شاكرا وممتنا لإرشاداته وتوجيهه”.  (د. عمر خليفة – أستاذ مساعد في اللغة العربية، جامعة جورجتاون في قطر)