ما الذي ينبغي أن نتعلمه من الحصار الذي تتعرض له قطر؟

Dana Al-Anzy

بقلم دانا العنزي ومحمد إيفرين توك

27 يوليو 2017

تعدى الحصار المفروض على قطر الخمسين يوماً ولايزال مستمراً. وعلى مدار فترة الخمسين يوماً الماضية تمحورت معظم المناقشات حول الجوانب السياسية والدبلوماسية والاقتصادية للأزمة.

واليوم، أصبح جلياً للعيان أن قطر قد نجحت في التصدي للحصار، الذي كان امتحاناً قاسياً، ولكن عند النظر إلى الوراء على مدار الخمسين يوماً، نرى أن الاقتصاد كان قوياً بما فيه الكفاية. فقد أصبح القطريون والمقيمون على حد سواء أكثر تضامناً واتحاداً في مشاعر الفخر والاعتزاز بسمو الشيخ تميم آل ثاني، الذي وَقَّعَ أسفل صوره الجدارية الضخمة عدد كبير من المقيمين إعراباً عن تضامنهم ورداً على حملات التشهير التي تهدف إلى تلطيخ سمعة دولة قطر وتشويه صورتها.

 لكننا هنا نود إلقاء الضوء على جانب آخر من الحصار. فالأزمة كانت اختباراً لتجربة التحديث القطرية والتحول الذي تشهده قطر خلال العقدين الأخيرين. وقد أظهر التعرض للازمة الأخيرة موقفاً بالغ الإيجابية للشباب القطري، المزود بخلفية تعليمية راسخة، والذي يتمتع بدرجة عالية من الإدراك للشؤون الدولية والوعي التام بالمسارات والخيارات الأوسع المتاحة أمام بلادهم. ولم يكن من قبيل المصادفة أن يظهر هذا الجيل من الشباب القطري ذي الخلفية الأكاديمية الصلبة المتوفر على ممهارات التفكير النقدي وقدرات التعامل مع تقنيات المعلومات المتطورة لوسائل التواصل الاجتماعي في هذا التوقيت. دعونا نسبر أغوار هذا الأمر بقدر من التفصيل!

 رؤية قطر 2030

في حالة دولة قطر، يظل المسار الأشمل هو رؤية قطر الوطنية 2030، التي نشرت عام 2008، والتي تحمل هدف “تحويل قطر إلى دولة متقدمة بحلول عام 2030”. فمع زيادة الدعم لمجالات الرعاية الصحية والتعليم والنقل والمواصلات وغيرها من الخدمات، فضلاً عن توسيع مجالات التنمية الاقتصادية، تتمتع رؤية قطر 2030 (متضمنة استراتيجيات التنمية 2011-2016 و2017-2022) بركائز اجتماعية وإنسانية وبيئية واقتصادية متعددة. 

مما لا شك فيه أن التعليم كان من بين العناصر الأساسية لرؤية قطر الوطنية الشاملة وقد قامت مؤسسة قطر بدور أساسي في عملية تحديث الدولة وبنائها من خلال صهر المحتوى التعليمي للجامعات الأمريكية في قطر واندماجها مع الثقافة والتراث الوطني المحلي. 

فمنذ عام 2008 تحتفل مؤسسة قطر بصورة جماعية بتخرج طلاب من جامعة حمد بن خليفة (الجامعة المحلية الوحيدة تحت مظلة مؤسسة قطر) والجامعات الأخرى المشاركة لها في المدينة التعليمية التي تتضمن جامعات كارينغي ميلون، وجامعة تكساس ايه اند ام، وجامعة ويل كورنيل للطب، وجامعة نورث ويسترن، وجامعة اتش ئي سي باريس، وكلية لندن الجامعية، وجامعة جورجتاون، وجامعة فرجينيا كومنولث. وكان حضور مؤسسة قطر على الساحة العالمية ملموساً ومتعدد الجوانب. فعلى سبيل المثال تمكن برنامج صاحبة السمو الشيخة موزا، التي تشغل منصب المبعوث الخاص للتعليم الأساسي والعالي التابع لمنظمة اليونيسكو، تحت مسمى مبادرة التعليم فوق الجميع من توفير 7.1 مليون فرصة تعليمية للأطفال منذ تطبيقه عام 2012. وأصبحت مبادرة التعليم فوق الجميع بمثابة مؤسسة عالمية تلتزم بخدمة المحتاجين برؤية تمنح فرصاً جديدة للحياة وأملاً حقيقياً وفرصاً فعلية للأطفال الفقراء والمهمشين، وكذلك للشباب والنساء في الدول النامية. وتواصل هذه المبادرة تخصيص الموارد لضمان الالتزام بالوصول إلى عشرة ملايين طفل في أنحاء العالم.

أقيمت آخر حفلات التخرج التي شهدتها مؤسسة قطر في الثاني من مايو 2017، أي قبل أقل من شهر من بدء الحصار. خلال الحفل، كانت رسالة سمو الشيخة موزة الموجهة إلى 765 من الطلاب الخريجين تقول: “اليوم، وبينما تمضون قدماً إلى الأمام صوب مستقبلكم حاملين درجات علمية من أفضل الجامعات الدولية، أود أن أذكركم بأن المعرفة والأخلاقيات مرتبطان ارتباطاً وثيقاً. فالأخلاق ترشد المعارف نحو خير البشرية، وهما متداخلان، فلم تزدهر حضارة دون الركيزتين الأساسيتين المعرفة والأخلاق.”

الشباب القطري والحصار

تسبب الحصار في تجسيد رسالة الشيخة موزة إلى 765 من الخريجين بمؤسسة قطر. وكان سلوك الشباب القطري يتسم بهذا الإصرار طوال الخمسين يوما الماضية من الحصار. فقد استرشدت وطنيتهم بأخلاقياتهم ودفاعهم المفعم بالإيمان عن خير البشرية.  حيث تجاوز القطريون والمقيمون بدولة قطر خطاب الكراهية ولجأوا إلى التعبير الفني عن حبهم وتضامنهم من خلال اللوحات الجدارية والمعارض الفنية. وبالموازاة من ذلك، أطلق الناشطون الاجتماعيون حملات إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي التي نبهت العامة إلى أهمية الاحترام والتحليل النقدي للمحتوى الوارد والتاريخ الاجتماعي الذي يربط بينهم وبين الدول المجاورة. فقد ظلت قطر مفتوحة ترحب بالمقيمين من الدول المجاورة، بل وحثت مواطنيها الالتزام بالأخلاق والقيم والدبلوماسية، وظلت فاتحة أبوابها للحوار، وسمحت بالوساطات، وابقت على التزامها بتوفير الغاز لمواطني دولة الإمارات العربية المتحدة دون توقف. ومن خلال رؤية دولة تزدهر على أسس من المعارف والاخلاقيات، عبر المواطنون القطريون والمقيمون التحديات التي واجهوها، معلنين فوز قطر بغض النظر عما تسفر عنه نتائج الحصار. 

دانا خالد العنزي – ناشطة شبابية قطرية، مؤسسة التعليم فوق الجميع، الدوحة/قطر

محمد افرين توك – أستاذ مساعد، جامعة حمد بن خليفة، الدوحة/قطر