محاضرات السير تيم لانكستر حول سياسات واقتصاد مساعدات بريطانيا الخارجية

محاضرات السير تيم لانكستر حول سياسات واقتصاد مساعدات بريطانيا الخارجية

قام السير تيم لانكستر، رئيس مجلس كلية لندن للصحة والطب الاستوائي ومستشار شؤون جنوب شرق آسيا في المؤسسة الاستشارية ؛أكسفورد آناليتيكا” بإلقاء محاضرة ضمن سلسلة “نقاشات مركزة” التي ينظمها مركز الدراسات الدولية والإقليمية بعنوان “الأبعاد السياسية والاقتصادية للمساعدات الخارجية البريطانية” بتاريخ 8 أكتوبر 2012, حيث ارتكزت المحاضرة على الكتاب الأخير للسير لانكستر الذي نشر تحت عنوان “الأبعاد السياسية والاقتصادية للمساعدات الخارجية البريطانية: مسألة سد بيرغو” (دار روتليدج 2012) والذي يصفه الكاتب بأنه دراسة للأخطاء التي يمكن أن تحصل حين يتم تقديم المساعدات التنموية بشكل خاطئ.وابتدأ السير لانكستر بإعطاء لمحة تاريخية عن برنامج المساعدات الخارجية البريطانية الذي أطلق في ستينيات القرن الماضي انطلاقاً من إيمان الحكومة البريطانية بالتزامها الأخلاقي تجاه مستعمراتها السابقة إضافة إلى مصالحها السياسية المستمرة في تلك المناطق. وفي ثمانينيات القرن الماضي شغل السير لانكستر منصب أمين السر الدائم لإدارة تطوير ماوراء البحار، وهي الوزارة المسؤولة عن المساعدات التنموية الخارجية، وفي أثناء عمله هناك قامت الوزارة بتمويل واحد من أكثر مشاريع المساعدات الخارجية إثارة للجدل وفق ما يعتقدهالكثيرون، وهو مشروع بناء سد ومحطة تمويل طاقة في بيرغو على الحدود الماليزية التايلندية، والذي كان أكبر مشروع تمويل للمساعدات الخارجية البريطانية وفق لانكستر.جاء مشروع سد بيرغو المثير للجدل نتيجة اتفاق خاص بين مسوولين رفيعين في الحكومتين الماليزية والبريطانية واعتمد على تقديم مساعدات خارجية بقيمة 200 مليون باوند من الحكومة البريطانية إلى ماليزيا لقاء التزام ماليزيا بشراء معدات عسكرية دفاعية من بريطانيا بقيمة مليار باوند. وكما قال السير لانكستر في محاضرته فإن اتفاقاً من هذا النوع بتقديم مساعدات خارجية لقاء صفقة أسلحة كان غير مسبوق ومخالف للسياسات البريطانية وهو بهذا كان موضوعاً جدلياً ومصدر خلاف منذ البداية. ولم يتوقف الموضوع عند هذا الحد إذ أنه بعد توقيع العقد بين الحكومتين، تم تعيين بعض المقاولين والشركات المتنفذة الكبيرة لبناء المشروع، وقد قام هؤلاء بدورهم بزيادة عروض أسعارهم لتتضاعف التكلفة الإجمالية للمشروع.وبرغم التكلفة المتزايدة باشرت الحكومة البريطانية بدعم من السيدة مارغريت تاتشر ومجموعة من أصحاب المصالح المشروع متجاهلة نصائح عدد من المسؤولين والاقتصاديين بعدم الاستمرار بهذا المشروع. وفي ظل الدعم الكبير الذي حظي به المشروع من قبل رئيسي وزراء ماليزيا وبريطانيا، رضخت الوزارات والإدارات الحكومية الأخرى للضغط ولم تبد ممانعة كافية للمشروع، ووصف السير لانكستر الوضع في ذلك الحين بكونه مزيجاً من الأجندات السياسية المتضاربة والخلط المبالغ فيه بين السياسة والأعمال والمصالح المختلفة.وفي إطار عمله كأمين سر دائم، تم تكليف لانكستر بتقييم المشروع من حيث صرف الميزانية المخصصة بشكل دقيق وملائم، وبرغم أن التقييم القانوني في ذلك الحين أظهر حسن التصرف بالميزانية إلا أن لانكستر كان مقتنعاً بأن صرف هذا المبلغ من أموال الضرائب كان غير فعال وغير مجد اقتصادياً مما دفعه إلى الابتعاد عن المشروع والنأي بمؤسسات الدولة عنه. وقال السير لانكستر في هذا الخصوص: “ كان المشروع مثالاً عن الضرر الذي تحدثه السياسة والمصالح الخاصة بالتنمية والاقتصاد الصحيحين، ولو توفرت الشفافية المطلوبة في ذلك الوقت لربما تمكن البرلمان ووسائل الإعلام وغيرها من المجموعات الناشطة من معارضة المشروع الذي أدى بالنهاية إلى الإضرار بالعلاقات الماليزية البريطانية في ذلك الوقت”.في المحصلة قال السير لانكستر بأنه أراد أن يعرف ما إذا كان هذا المشروع يحقق جدوى اقتصادية بمقاييس يومنا الحاضر فقام بمراجعة تقييمه السابق في ضوء ارتفاع أسعار الغاز خلال السنوات الماضية وتوصل إلى أن المشروع لا زال غير مجد اقتصادياً اليوم كما كان حين إنشائه، وفي اختتام محاضرته أوصى السير لانكستر بأن تقوم الحكومات باستخلاص العبر من مشروع سد بيرغو قائلاً: ؛من الأفضل التزام الشفافية بدل الغموض، وعدم التصريح بشيء وفعل شيء آخر، وحين تسوء الأمور من الأفضل المصارحة وعدم التغطية، وفي الدرجة الأولى على السياسيين حين ارتكاب خطأ ما عدم تغطيته بارتكاب أخطاء أخرى”.السير تيم لانكستر هو عضو اللجنة الاستشارية لكلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون في قطر، وشغل سابقاً منصب المدير التنفيذي في المملكة المتحدة في مجلسي إدارة مؤسسة النقد الدولية والبنك الدولي وبعدها منصب أمين السر الدائم لإدارة تطوير ماوراء البحار، كما شغل منصب مدير كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن إضافة إلى منصب رئيس كلية كوربوس كريستس في جامعة أوكسفورد بين عامي 2001 – 2009 وله عدة مقالات وكتب حول مواضيع المساعدات والتنمية