مع الحوار يأتي الفهم: كتاب لأميرة الزين يقدم رؤى جديدة في فلسفة السيد حسين نصر

كباحثة وشاعرة شابة في جامعة جورجتاون في واشنطن العاصمة، وجدت الدكتورة أميرة الزين نفسها منجذبة إلى أعمال الدكتور سيد حسين نصر، الفيلسوف المعروف الآن كواحد من أكثر العلماء الإسلاميين نفوذا في هذا القرن. لكنها لم تشعر بأنها لابد أن تسعى لمقابلة هذا الرجل حتى أنهت قراءة  كتابه “الدين ونظام الطبيعة “، وهي تتذكر ذلك اللقاء بقولها: “مشيت لمدة 20 دقيقة إلى مكتبه في جامعة جورج واشنطن ، ووجدت بابه مفتوحا.”

لكن ما بدأ كزيارة عفوية سرعان ما نما إلى صحبة فكرية امتدت لعقود وعبر قارات، وبلغت ذروتها في أحد أهم التفسيرات النقدية لأعمال السيد حسين نصر حتى الآن ، وهي : العودة إلى المسكن الأبدي: حوارات صوفية مع سيد حسين نصر  (مطبعة جامعة ولاية نيويورك 2025). 

من خلال سلسلة من المحادثات المستوحاة من الأسئلة التي كانت الدكتورة أميرة الزين تتابعها كشاعرة ومترجمة وباحثة في الأدب العربي، تمكنت من الإمساك بخيوط آراء الفيلسوف نصر حول الأبعاد الروحانية للإسلام (التصوف أو الصوفية) وتقاطعاته مع الفن والكونيات والبيئة والحداثة. لا يوضح هذا الكتاب مجموعة أعمال نصر الواسعة فحسب، بل يحتوي أيضا على رؤى جديدة – تأملاته في الإبداع وآرائه لفلاسفة القرن العشرين في الميتافيزيقيا والتصوف.

الدكتور نصر يلقي محاضرة حول “الإسلام والحفاظ على البيئة الطبيعية” في جامعة جورجتاون في قطر خلال الأيام الأولى لحواراته مع الدكتورة أميرة الزين.

ما يظهر من الكتاب هو أكثر من مجرد نظرة تلخيصية على أعمال الفيلسوف ذائع الصيت. إنها جرعة مكثفة وشهادة على ما يمكن أن يحدث عندما يلتقي اثنان من الباحثين عن المعرفة و يجرؤون على تحدي بعضهما البعض. اعترفت الدكتورة الزين بذلك بقولها: “لم نتفق دائما، لكن في كثير من الأحيان كان يقول شيئا ما، وكنت آخذه إلى أبعد من ذلك”.

تبقى أهم المخرجات الرئيسية لكتاب “العودة إلى المسكن الأبدي” خالدة وملحّة:  وهي أن الإبداع لا ينفصل عن المقدس، وأنه لا يجب النظر إلى الطبيعة على أنها مورد يجري استهلاكه، بل كنص حي يجب قراءته بوقار وتبجيل، وأن الفلسفة الإسلامية، أبعد ما تكون عن  الانعزالية، وتبقى على تواصل بقرون من التقاليد الفلسفية والدينية من جميع أنحاء العالم.

على مدار حياتها المهنية، نشرت الدكتورة الزين العديد من المؤلفات، من بينها “الإبداع والمقدس (2016)، والإسلام، والعرب، وعالم الجن الذكي (2009)، وشاركت في تحرير “الثقافة و الإبداع والمنفى”، بالإضافة إلى عدة اصدارات شعرية باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية. ومع ذلك، فإن هذا الكتاب هو الذي يظل قريبا الى قلبها كما تقول: “كل كتاب هو عمل غير مكتمل، ولكن هذا الكتاب سيستمر بالنسبة لي في الشعر ، والخيال ، والتدريس ، وفي الطرق التي ننقل بها المعرفة قدما إلى الأمام”.  ومن خلال عملها في جامعة جورجتاون في قطر، تحمل د. الزين روح الحوار هذه إلى طلابها وفصولها الدراسية، وتدعو الطلاب لتجربة الأدب كمحادثة حية – بين التقاليد والأفكار والماضي والحاضر، حيث تقول: “كل فصل دراسي هو إبداع، فنحن نستكشف النص معا، ثم نتجاوزه.”